كلمات في الدعوة

>> الخميس، 3 يناير 2008




سلسلة مقالات الدعوة عبر الانترنت





1- كلمات في الدعوة
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (يوسف : 108 ) والقائل سبحانه ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل : 125 ) والقائل جل وعلى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (فصلت : 33 ) وأصلي وأسلم على خير الدعاة والمبلغين وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد ،

لا شك أن الدعوة إلى الله من أجل وأعظم الأعمال وأرفعها قدراً وليس ذلك الشرف أو تلك المكانة للدعوة في حد ذاتها وإنما لما تُنسب إليه فهي الدعوة إلى الله وهل أعظم وأجل وأعلى وأكبر من الله ؟

(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران : 104 ) هم الدعاة الذين جعلهم الله سبباً ليأخذوا بأيدي الناس إليه يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ويعلموهم حدود ما أحل الله وما حرم فمن فوق هؤلاء منزلة ؟

ولما كانت الدعوة لله فكان التوحيد مبدأها فهو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ، فهذا ما يجتمع عليه الدعاة عامة وإن اختلفت أساليبهم أو أمكانهم أو ألسنتهم فالدعوة أساسها واحد ، " لا إله إلا الله " هذا ما دعا إليه كل الأنبياء والمرسلين والدعاة والواعظين والعلماء العاملين ، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الدعوة ولا تحيد عنها فتتحول إلى دعوة حزبية أو مذهبية أو دعوة إلى شخص شيخ بعينه أو طريقة أو رأي.

ولكي تكون الدعوة في شكلها الصحيح وهيكلها السليم وتأتي بثمارها لابد لها من عدة أمور منها :-
1- الإخـــلاص : إخلاص النية لله تعالى شرط أو ركن في كل عمل فلا تصح الأعمال إلا به ، فيجب للدعوة أن تكون خالصة لوجه الله تعالى من غير شبهة رياء أو سمعة ، أو طلب جاه أو شهرة ، وعلى الداعية إلى الله تجديد نية الإخلاص دائما فإن القلوب تفتر والنفوس تحب المدح والمغريات كثيرة ولا ينجو منها إلا من كتب له الله السلامة.
2- العــــلم : قال تعالى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) قال العلماء جعل الله العمل هنا وهو الاستغفار بعد العلم لذلك بوب البخاري رحمه الله باباً في صحيحه وسماه " باب العلم قبل القول والعمل " فإن بالعلم يُعبد الله وذلك لأن الأعمال يُشترط لقبولها شرطين أولهما النية وثانيهما الصحة والإتباع ، ولن تحصل على الشرط الثاني إلا بالعلم ، ولو أفتقد الداعية العلم دخل في قول الله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ) (الحج : 8 ) ولو أفتقد الداعية العلم لكان أقرب للابتداع من غيره.
3- البصـيرة : ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) قال بعض العلماء عن البصيرة أنها كلمة جامعة لثلاثة أمور أولها العلم الشرعي وثانيها علم بحال المدعو وثالثها علم بأنسب الطرق لدعوته ، فكما أشرنا آنفاً لضرورة العلم الشرعي للدعوة فهو أساسها لكي يدعو الداعية إلى ما دعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم من غير زيادة أو نقص ، وتختلف طريقة الدعوة وأسلوبها باختلاف المدعو فلابد أن يُعلم حاله في البدء ، فدعوة طلاب العلم تختلف عن العامة وكذلك مخاطبة ومناصحة العلماء تختلف عن الحكام أو النساء والأطفال ، ومعرفة مدى تقبل المدعو أو تلقيه أيضاً أمر هام ، ثم تأتي مرحلة اختيار أنسب الطرق لدعوة الشخص بعد أن عُرف حاله.
4- الحكمـــة : قال تعالى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وصف الله تعالى الموعظة ووصف الجدال ولكنه لم يصف الحكمة لأن صفتها ذاتية ، فالحكمة لا توصف ، فإن حدث أي خلل أو ضعف في الأسلوب لم يطلق عليه حكمة لأنها صفة كمال ، وقد أشارت النصوص الشرعية إلى الحكمة في مواضع كثيرة تارة تكون بمعنى الدين كله وتارة تكون بمعنى الحق وتارة تكون بمعنى السنة وتارة تكون بمعنى كل فعل أو رأي صواب ، فمن الحكمة مثلاً للداعية أن يعرف متى يستخدم الدليل وفي أي موضع يضعه.
5- الموعظة الحسنة : الوعظ والإرشاد والتوجيه والتذكير بالله كل ذلك من الدعوة إلى الله ، والموعظة كثيراً ما تكون لها أكبر الأثر في النفوس والقلوب ، والموعظة جاءت مشروطة بشرط ولم تأتي مطلقة قال تعالى والموعظة الحسنة ، فليست من الموعظة الحسنة إذا دُعي الرجل مثلاً ليُصلح بين أخوين في الله أن يقول ( حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف : 38 ) ، فلابد من اختيار أجمل الحديث وأنسبه لكل موقف.
6- الرفـــق : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه " وقال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله " لابد لمن أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من التزام ثلاثة أمور العلم قبل الأمر والنهي والرفق مع الأمر والنهي والصبر بعد الأمر والنهي " فالرفق في الدعوة أمر مطلوب بل هو ركيزة أساسية قال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ).
7- الصـــبر : منذ أن خلق الله الخلق وأرسل الرسل جرت سنة الحياة أن الدعاة يلاقون أشكال وأشكال من الابتلاءات فما من نبي إلا عاده قومه وكذبوه وأهانوه وفي كثير من الأمر حاربوه وكذلك يجد كل داعية إلى الله الحق ، فلابد أن يلتزم الصبر ويحتسب الأجر ولا يجعل ما يلاقيه من الإعراض أو الأذى سبباً في التخلي عن الدعوة إلى الله ، ولابد أن يعلم أن الدعوة ستأتي بثمارها ولو بعد حين ما دامت خالصة لوجه الله تعالى ، ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) (المؤمنون : 111 ).
8- الكيف لا الكم : ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النحل : 35 )لابد للدعوة أن تكون معنية بالكيف لا بالكم ، ندعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة أو نقص ولا يعيننا أبدأ كم الأتباع فالأمر الأهم هو الإتباع لا الأتباع ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (يوسف : 103 ) فلا تحتاج الدعوة أن تغير مسارها أو تميع دينها من أجل زيادة الأتباع ولنا في أنبياء الله أسوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُرضت علي الأمم ، فجعل يمر النبي معه الرجل ، والنبي معه الرجلان ، والنبي معه الرهط ، والنبي ليس معه أحد " فهؤلاء الأنبياء لم يقصروا في الدعوة وإنما الهدى من الله ( لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (البقرة : 272 ).
9- النزول إلى الواقع : ، تعيش أمتنا ومنذ سنوات صحوة إسلامية واضحة في شتى البلدان والحمد لله ولكن في هذه الصحوة بعض أوجه الخلل منها وأهمها هو بُعد بعض أهل العلم الشرعي عن واقع الناس في حين أقدم شباب دعاة على ملىء هذه الساحة وعملوا بنشاط في أوجه كثيرة من أوجه الدعوة وخالطوا الناس عامة والشباب خاصة فتبعهم الشباب في منهجهم ودعوتهم ، ولكن الإشكال أن هؤلاء الدعاة الشباب كثيراً منهم يفتقد للتأصيل العلمي الصحيح فكانت النتيجة انتشار كثير من البدع على أيديهم أو عدم قدرتهم على تربية الشباب تربية صحيحة إيمانياً وعقائدياً ، لذا فلابد للدعوة أن تنزل لواقع الناس وتحتك بهم وتعايشهم لتأخذ بيدهم إلى الطريق المستقيم على المنهج الرباني الذي اختاره الله تعالى لنا وعلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بفهم سلفنا الصالح.


هذا والله أعلى وأعلم

0 التعليقات:

حقوق النشر غير محفوظة والنقل مباح لكل مسلم


  © Blogger templates Sunset by Ourblogtemplates.com 2008

Back to TOP