العطر النافح في تفضيل القلب على سائر الجوارح

>> السبت، 20 سبتمبر 2008




العطر النافح في تفضيل القلب على سائر الجوارح

الحمد لله عدد أوراق الأشجار وما غرد طير وطار عدد حبات الأمطار وما جرى من أنهار وأصلي وأسلم على النبي المختار محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الأخيار وتابعيهم بإحسان من الأبرار.
أما بعد ،،


سبحان من خلق الإنسان وصوره ، فأحسن خلقه وقوّمه ، وفضله على سائر الخلق وكرمه ، إله بديع عظيم أتقن كل شيء صنعه ، خلق الإنسان من طين ثم جعله نطفه في قرار مكين فجعل النطفة علقة وجعل العلقة مضغة وخلق المضغة عظاما ثم كسا العظام لحماً.

جعل له جسد قويم مهيأ لكل ما يحتاجه الإنسان في معيشته ومُعين له على قضاء حوائجه ، ونفخ فيه من روحه وجعل له من الجوارح سبع لكل جارحة عمل ، ولا تعجب أن أبواب النار سبع أيضاً وكأنها إشارة للربط بين الجوارح السبع وأبواب النار.
فكل جارحة منهم قد تكون سبباً في دخول النار وكأن لكل واحدة منهم بابا خاصاً ، فجارحة البصر تكن سبباً في دخول النار لما يُطلق البصر في الحرام والعين تزني وزناها البصر ، وجارحة السمع باعتيادها على سماع الحرام من الكلام والأغاني تكن سبباً وباباً من أبواب النار ، وجارحة اللسان وما أكثر من يدخل النار بسببها ، فالإيمان كلمة والكفر كلمة فلما يقع الكفر في القول أو اعتياد الكذب والغيبة والنميمة أو شهادة الزور كل ذلك وغيره يأخذ بلسان صاحبه إلى النار ، ثم جارحة البطن وأكل أموال الناس بالباطل وأكل مال اليتيم وأكل الربا وأكل كل ما لا يُتحرز منه أحرام هو أم حلال فيكون عندها البطن سبباً في ولوج النار ، ثم جارحة الفرج والتي تشترك مع اللسان في كونهما من أكثر أسباب دخول النار وذلك بكل صور ظلم الفرج من زنا ولواط وإتيان البهائم ومجاوزة الحد في الاستمناء باليد ، ثم جارحة اليد التي قد تبطش في حرام فتتسبب في جر صاحبها إلى النار وقد تسرق أو تقتل أو تظلم ثم جارحة الرجل التي قد تمشي في كل طريق يُغضب الله وما تتوارى عما نهى عنه سبحانه.


فهذه هي الجوارح السبع كما قال علمائنا ، وما بقي إلا جارحة القلب التي بها تُصبح الجوارح ثمانية وأبواب الجنة ثمانية ، فكأن القلب هو الذي يأخذ هذه الجوارح جميعاً من النار إلى الجنة إذا صلح بإذن الله ، نعم هو القلب سيد الجوارح الذي قال عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير ( ألا إن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )
وقال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله ( الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب ، فإن القلب ملك والأعضاء جنوده ، فإذا خُبث الملك خُبثت جنوده )
وقال تلميذه بن القيم رحمه الله (من تأمل الشريعة ، في مصادرها ومواردها ، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب ، وأنها لا تنفع بدونها ، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح ، وهل يميَز المؤمن من المنافق إلا بما في قلب كل واحد من الأعمال التي ميَزت بينهما ؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح ، وأكثر وأدوم ، فهي واجبة في كل وقت ).

ولما كان للقلب هذه المنزلة وتلك الدرجة كان هو موضع نظر الرب تبارك وتعالى ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ).


هذا فاستعينوا بالله على صلاح قلوبكم واسألوه أن يرزقنا وإياكم قلوب سليمة حية موصولة به سبحانه ، والله أسأل أن يجعل ما كتبناه وقرأتموه زاداً إلى حُسن المصير إليه وعتاداً إلى يُمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هذا والله أعلى وأعلم.

2 التعليقات:

Fahd 20 سبتمبر 2008 في 2:24 م  

امين

اللهم اصلح قلوبنا وطهرها

أبوعمر 21 سبتمبر 2008 في 10:42 ص  

فهد

آميين
نورتنا وشرفتنا يا فهد

حقوق النشر غير محفوظة والنقل مباح لكل مسلم


  © Blogger templates Sunset by Ourblogtemplates.com 2008

Back to TOP