الصراع مع إبليس

>> الثلاثاء، 19 فبراير 2008



صراع إبليس مع بن آدم
كيف يكون وكيف السبيل
مقدمة:-
بداية الصراع
خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وعلّمه الأسماء كلها ، ثم أمر الملائكة أن تسجد له وكان معهم إبليس وهو ليس بملك وإنما من الجن ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )، أمتثل الملائكة لأمر ربهم دون رد أو سؤال ، وهكذا جاء الأمر فكان الامتثال ( قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ ) ولكن إبليس ما سجد ( إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ) استكبر وأبى أن يمتثل لأمر ربه ، وكان له في ذلك منطق وكذلك أتباعه الآن ممن يردون أمر الله ورسوله في كل زمان ومكان يتبعون أهوائهم ويردون ذلك إلى المنطق والعقل .. لو كانوا يعقلون!!، وكان منطق إبليس في رفض السجود لآدم ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) لمن تقول بالخيرية يا إبليس لله خالق كل شيء ومليكه ، آنت أعلم أم الله!! أليس الذي خلق الأنس والجن والملائكة وخلق الخير والشر هو أعلم بالخيرية!! فهو الذي بيده الفضل سبحانه ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ، سبحان الله حتى من الجانب العقلي كيف تكون النار خير من الطين!؟ الطين زرع وبناء ونماء والنار حرق وعذاب وشقاء .
فكان جزاء تكبره أن جعله الله من الصاغرين ( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) ليس ذلك فحسب وإنما لعنّه ( إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) فناصب إبليس آدم العداء وسأل ربه ألا يقضي عليه وأن يمهله إلى يوم القيامة حتى يتسنى له إغواء آدم وبنيه ( قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ومن هنا يبدأ الصراع.

مراحل الصراع
المرحلة الأولى ( الكفــــر أو الشرك)
أي عدو لا يتمنى إلا هلاك خصمه من الجولة الأولى فهو يُجهز عليه بكل قوته للنيل منه لذا فإن هذه المرحلة يأمر فيها إبليس بن آدم بالكفر بالله صراحة ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ ) كما يزين له عبادة غير الله ليصده عن السبيل ( وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ) ، وبالتأمل في الواقع المعاصر نرى كيف نال إبليس من بن آدم في هذه الجولة ، عدد سكان الأرض حالياً ما يقارب ست مليارات نسمة خُمس هذا العدد فقط من المسلمين والبقية كفار منهم من يعبد الصليب ومنهم من يعبد النار أو البقر أو بوذا أو غيره حتى وصل الانحطاط البشري لبعضهم فعبدوا الفرج !! ومنهم من أختار الإلحاد ، وليس ذلك في زماننا فحسب وإنما هي سنة الحياة ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )، وإن لم يكفر بن آدم و رائه إبليس مقتنع بوجود الله يزين له الشرك به حتى يكون وليه ( إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) يوحي لابن آدم أن بيد أحداً غير الله منفعة ومضرة وعلم بالغيب ، ومن صور ذلك يموت أحد الصالحين فيزين الشيطان لقومه أن لو تبنوا له قبراً مميزاً ( إذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً ) ثم لو تبنوا على القبر مسجداً لنلتمس من بركات هذا الصالح ، ثم يكون ضريحاً يزار وتشد إليه الرحال في كل عام ، ويتقرب إليه الناس بالذبح وغيره ويسألون صاحب الضريح ما كان يجب عليهم أن يسألوا الله به ، ويظنون أن بعملهم هذا يتقربون إلى الله زلفى ( ألَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) وهكذا يتتبعون خطوات الشيطان حتى يهلكوا وما ينجو من كيد إبليس في هذا الجولة إلا من قال ( قلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ) والناجين دائماً هم القلة ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ).
المرحلة الثانية ( البدع )
إن فشل إبليس في إلحاق بن آدم بالكفر أو الشرك في المرحلة الأولى ، ووجده سوف يتعبد الله لا محالة فيزين له أن يبتدع في دين الله ما ليس منه ليتعبد الله به ، وصور البدع في الدين كثيرة لا يتسع لنا المجال لذكرها ولنكتفي ببيان مآلها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
المرحلة الثالثة ( الكبائر )
مر بن آدم من جولتي الكفر أو الشرك والبدع ولم يقع في فخ إبليس ، هنا يأتي دور كبائر الذنوب ، فهو لا يزال يزين المرأة في عين الرجل بالحرام حتى يزني بها ولا يزال يشعل غضب المسلم الذي على خلاف مع أخيه حتى يقتله ولا يزال يبغّض المسلم في التجارة الحلال حتى يوقعه في الربا وهكذا الحال مع كل كبيرة فهو يعلم عظم شأن كبائر الذنوب وما تجنيه على العبد من الويلات إن لم يتب.
المرحلة الرابعة ( الصغائر )
يحقر لابن آدم الذنوب ، كلما أراده أن يقع في معصية هوّنها في نظره ، وإن أراد بن آدم التوبة منها يصّغرها في نظره ويقول له غيرك يفعل كذا وكذا من الكبائر فما الذي فعلت أنت لتتوب ، ولا شك أنه باب عظيم يقع فيه كثير من الناس وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ).
المرحلة الخامسة ( المباحات )
إن يأس إبليس من رجل قوي إيمانه ، رجل عجز إبليس أن يوقعه في الكفر أو الشرك أو كبائر الذنوب أو حتى صغائرها ، وعلم أن هذا الرجل صاحب طاعات فيكون الحل محاولة إعراضه عن هذه الطاعة التي ينوي فعلها حتى لا يأخذ أجرها ، وأكثر ما يكون الإعراض بشغله بالمباحات فيضيع وقت بن آدم بذلك نعم لم يفعل منكراً ولكنه ما فعل الطاعة فيكون بذلك مثل التاجر الذي أشترى بضاعة وباعها برأس مالها فلا هو ربح ولا خسر .
المرحلة السادسة ( المفضول عن الأفضل )
حقاً إنها أعجب المراحل التي تدل على عدم يأس إبليس اللعين من بن آدم ، فلما يراه رجل مقبل على الطاعات ويحاول معه ليثنيه عن فعلها ويفشل في ذلك ، لا يجد مفر إلا أن يوسوس له بفعل الطاعة التي تجلب الأجر الأقل ، وباب فضائل الأعمال في ديننا عظيم فليست كل الأعمال سواء في الأجر، فهو يشغله بالمفضول من الأعمال عن الأفضل.

كيف السبيل
ونقول على وجه الاختصار أن المسلم يستطيع أن يتقي كيد إبليس عامة بجملة أمور منها وأولها ضرورة تحقيق الإيمان بالله والتوكل عليه ( إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) وكذلك تحقيق الإخلاص في الدين ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) مع ضرورة الحرص على تعلم العلم الشرعي الذي هو حصن منيع يقي المسلم من كثير من فتن إبليس وفي ذلك قيل أن موت عالم واحد أشد فرحاً لإبليس من موت ألف عابد ، ولا شك أن الاستعاذة بالله منه هي أسرع الحلول وأسهلها ولا يستغني عنها عاقل ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ، ونستطيع أن نجمل فنقول أن كل يمليه إبليس علينا هو فتن وقد قال الله عزوجل عن الفتنة ( َاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ولا سبيل للوقاية من الفتن عامة إلا بالآية التي قبلها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) وبذلك تكون الاستجابة لأمر الله ورسوله هي سبيل اتقاء فتن إبليس وفتن الدنيا وفتن الهوى وفتن النفس الأمارة بالسوء ولا شك أن هؤلاء الأربع هم أعداء المؤمن كما قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه

إبليس والدنيا ونفسي والهوى *** كيف السبيل وكلهم أعدائي

هذا والله أعلى وأعلم.
فائدة
عداوة الشيطان للإنسان وعداوة الله للكافرين:
بالرغم من خطورة إبليس وجنده إلا أن الله لم يصفه بالعدو له وإنما جعل عداوة إبليس لبني آدم ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ، ( ألَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) ، ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) ولم تأتي آية واحدة تقول أن الله أتخذ إبليس عدو له ، والآيات كثير تدل على أن عداوة الله للكافرين ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ، ( من كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) ، ( ومَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ، ( أنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ )
والعلة في اعتبار المولى عزوجل الكفار أعداء له عن إبليس اللعين هو بيان شدة ضلال وغي شياطين الأنس عن شياطين الجن ، والمقصود التأثير فإن شيطان الجن يأتي لابن آدم بالوسوسة وإن استعاذ بالله منه خنس ، أما شيطان الأنس فما الذي يذهبه … ثم أن إغواء الشيطان للإنسان يكون بالوسوسة فقط أما إغواء الإنسان للإنسان يكون بالمحاكاة الفعلية ، أقول لك لنعمل معصية معينة ثم أبدأ أنا أمامك في الفعل والقول ويكون لذلك أكبر الأثر في الإتباع.

6 التعليقات:

مشروع انسان 19 فبراير 2008 في 9:48 م  

السلام عليكم
انا كنت حطيت تعليق

انتوا بتاكلوا التعليقات هنا ولا ايه
:)

اكيد الشيطان يجرى من ابن ادم مجرى الدم فى العروق
ومش هييأس منه ابدا
الا بخروج روحه

كما قيل
لو نام لاسترحنا
المهم بس نبقى متيقظين لحربه دى ضدنا ومستعدين ليها
ومنتبهين ليها وقتها قبل ان نقع ونندم ونرجع
ربك يعين

عصفور المدينة 19 فبراير 2008 في 10:39 م  

اللهم أعذنا من همزات الشياطين
أعتقد أن السر في تسمية الشيطان بعدو للإنسان تحقير شأن الشيطان
حتى إني قرأت لبعض العلماء النهي عن تكرار التعوذ في الركعة الثانية للصلاة
وأيضا النهي عن سب الشيطان

أبوعمر 20 فبراير 2008 في 9:21 ص  

طبعا يا امام العلم بالعدو ومداخله أفضل شىء لعدم الوقوع في نصابه
ولكن من رحمة ربنا بنا أنه وحتى وان أخطأنا لنا أن نستغفر ونندم ونتوب والله يغفر الذنوب
جاء في الأثر على لسان إبليس أنه قال ( غلبت بن آدم بالذنوب فغلبني بالاستغفار )

أبوعمر 20 فبراير 2008 في 9:25 ص  

جزاك الله خيرا يا باشمهندس على الاضافة الجيدة دي
أحسنت يا شيخ

dr.Muslim 20 فبراير 2008 في 10:22 م  

ما شاء الله

موضوع طيب وجهد رائع

نسأل الله أن يعيينا علي الشيطان وعلي أنفسنا وعلي شياطين الانس

جزاكم الله خيرا أخي الحبيب وبارك لنا فيك

أبوعمر 24 فبراير 2008 في 8:37 ص  

وجزاك خيراً خطاب
دمت بخير

حقوق النشر غير محفوظة والنقل مباح لكل مسلم


  © Blogger templates Sunset by Ourblogtemplates.com 2008

Back to TOP